Sunday, January 13, 2008

مذكرات مسافر الحلقة الرابعة

"باب موارب"

للأسف ... لقد فاتنى القطار هذا اليوم و كان على أن أذهب للكلية بأى وسيلة ... و تذكرت أن إحدى قريباتى قد قالت لى أن هناك مكان ما يطلقون عليه "موقف العاشر"، و لكنه على أول طريق مصر إسماعيلية، هناك عربات "بيجو و ميكروبص" تذهب إلى الزقازيق حيث تقع كليتى ...أسرعت بالإتصال بها و شرحت لى كيف أصل إلى هناك ... شكرتها بحرارة و بدأت أستعد لمغامرة جديدة مع وسيلة مواصلات جديدة.

بعد تقريبا نصف ساعة أو أقل كنت قد وصلت إلى الموقف و ركبت سيارة "بيجو"، 7 راكب، و تم العدد سريعا و بدأ السائق يحرك المفتاح لنبدأ الرحلة ... و قبل أن تتحرك أول عجلة للسيارة قال السائق للركاب"الفاتحة لله يا جماعة عشان نوصل بالسلامة" ... و على الرغم أنى أستغربت لطلب السائق إلى أنى وجدت شفتى قد أنتهت من ترتيل الفاتحة و بدأت فى دعاء الركوب و دعاء السفر.

كان موقعى بجوار السائق كما قالت لى قريبتى "خدى الكرسى اللى جنب السواق".

مد السائق يده إلى "طبلوه السيارة" و أخرج منه شريط ثم قام بضرب الشريط مرتين أو ثلاثة على حافة "الطبلوه" قبل وضعه فى مسجل السيارة و يبدو أن الشريط و مسجل السيارة قد أكل عليهم الدهر و شرب و لكن بفضل الله تعالى بعد عدة دقائق خرج صوت من الشريط عزب جميل رائع يرتل آيات من الذكر الحكيم من سورة يوسف عليه أفضل الصلاة و التسليم.

و بعد أن أطمئن السائق أن الشريط يعمل بسلام و أن الصوت على الدرجة التى يحبها ... أخرج من جيبه علبة السجائر و أخذ واحدة و بدأ رحلة البحث عن "الولاعة" و إذا بأحد الركاب يمد إيه يديه بمشط من الكبريت لينقذه من حيرته أو ربما أراده أن ينتهى من البحث عن شئ ليشعل السيجارة و يعطى إهتمام أكبر للطريق.

ساد الصمت الرهيب على السيارة إلا من صوت محركها الذى كان له صوت عالى و لكن أهدى قليلا من صوت القطار... و بدأت أنصت لسماع آيات سورة يوسف التى أعشقها و بدأت أرتل مع القارئ بصوت لا أسمعه أنا و أيضا أشم رائحة السجائر الكريهة التى أكرهها كره يفوق الخيال ... أولا لأنى لا أجد سببا منطقيا يجعلنا نصرف ملايين بل بلايين على تلك اللفافة و هناك ثلاثة عشر مليون مواطن مصرى يعيشون فى العشواقيات ... ثانيا لأنى أعرف أضرارها جيدا و أظن أن أكثر من نصف من يشربونها يعرفون ضررها جيدا... و لكن أين عقل الإنسان الذى يميزه عن غيره من المخلوقات التى خلقها الله تعالى ... لكن السبب الأهم الذى جعلنى أكرهها هى أنها تصيبنى بضيق فى التنفس ... و من حقى من أستنشق هواء نقيا كما من حق المدخنين التدخين.

و تعجبت لماذا يشرب الرجال و الأطفال و أحيانا النساء السجائر، أو كما أطلق عليها "البذاذه"، و لقد صدرت فتوى من مجمع الأزهر بتحريمها شرعا و من أماكن مختلفة مستندين فيها إلى حديث الرسول الكريم "لا ضرر و لا ضرار" و إلى إسنادات أخرى و كثيرة فى ديننا العظيم.

قيل لى و أنا طفلة أن هناك ملكان يكتبان كل شئ أقوله و أفعله ملك على اليمين يكتب الحسنات و ملك على اليسار يكتب السيئات و أن الأرض التى نمشى عليها تشهد لنا أو علينا يوم القايمة و أندهشت إلينا هذه الأيام كيف أننا نجمع بين الطاعة والمعصية فى آن واحد فنجعل الملكان يكتبان فى نفس الوقت و نجعل الأرض تحتار يوم الحساب بين أن تشهد لنا و أن تشهد علينا ... نعم فسائق السيارة "البيجو" وضع بيديه و بإرادته شريط قرآن منذ دقائق و بعد أن أطمأن أنه يعمل بدأ يدخن سيجارة ... فهو الآن يسمع القرآن و يدخن سيجارة ... و الآن أيضا ملك اليمين يكتب ما يسمعه بأذنه و ملك الشمال يكتب ما يفعله بيده و الأرض التى نمشى عليها الآن ستشهد له بسماع آيات القرآن و أيضا بتدخين سيجارة و أيضا ما يسببه من أذى للركاب و أولهم أنا.

و جال بخاطرى أنى كثيرا ما رأيت هذه الظاهرة المنتشرة فحين أستقل سيارة أجرة فى القاهرة أو فى الزقازيق أرصدها "القرآن يصحبه دخان السجائر".

فكرت كيف يفكر من يفعل هذا! ... كيف نفعل الحسنات و السيئات فى آن واحد ... ربما يريد من يفعل هذا أن لا يغلق جميع الأبواب مع الله و إنما يريد أن يترك بابا مفتوحا "باب موارب" بينه و بين الله لحين عودته من دنياه ... فلا يجد جميع الأبواب قد سدت و يجد هذا الباب الذى طرقه سابقا "مواربا" ... أو كأنه يقول لله "ربى تقبل منى هذا القليل ... إنى قادم ..إنى قادم".








No comments: