Tuesday, January 29, 2008

مذكرات مسافر الحلقة الخامسة

يوم الثلاثاء

لم أكن أعلم أن هناك أختلاف آخر بين أيام الأسبوع غير أختلاف الأسماء.
اليوم هو يوم الثلاثاء ... أستيقظت فى ميعادى و قررت أن أعيد تجربة موقف العاشر ... و بالفعل جهزت حقيبتى و شربت شاى الصبح الذى لا أستطيع فتح عينى بدونه و خلال نصف ساعة كنت هناك و بعد خمس دقائق تحركت السيارة ...كنت مشتاقة لأرى الأرض الزراعية التى رأيتها فى المرة السابقة ... فعلى الرغم من أننا نستقل الطريق الصحراوى إلا أننا نرى مزارع بعد دخولنا حدود محافظة الشرقية و بالتحديد فى الطريق الذى يربط بين "بلبيس" و "الزقازيق" و يسمونه "طريق 45". شئ جميل بالفعل أن ترى الفلاحين و هم يزرعون و يحصدون و ترى الطيور تطير و فى وسط الحقل تجد "خيال المأته" فى ثياب مهلهلة ... و أضحك حين أرى الطيور لا تبالى بوجود خيال المأته و تنزل لتأكل و تقف على الأرض بجواره و كأنها تقول للفلاحين "قديمة ألعبوا غيرها" و أحيانا تقف عليه لتثبت لإخوانها من الطيور أنه كالصنم الذى لا يسمعهم و لا يراهم و لا يقدر على إذائهم ... و أشعر بالفخر حين أرى الفلاحين و هم يعملون بهمة و نشاط فى الصباح الباكر لأنهم لا يزرعون فقط ما نأكل و لكنهم يزرعون معه كرامتنا و أتذكر كاريكاتير قرأته على أحد المواقع، كان فيه أحد يشترى ما تحتاجه مصر من طعام لمدة عام و عندما وجد أن الفاتورة أصبحت بالملايين، قال "يا إما نزرع اللى هنكله يا إما نبطل ناكل".

و عندما أقتربنا من الزقازيق و بالتحديد عند مدخل الزقازيق فى منطقة "العصلوجى" وجدت شئ عجيب ...و على الرغم من أنى أسافر كثيرا إلى محافظات مختلفة إلا أننى لم أرى مثل هذا الشئ من قبل ... وجدت عدد غير طبيعى من البهائم و المواشى بجميع أنواعها و ألوانها و أعمارها فى مكان واسع جدا و عربات النصف نقل و النقل يحملون أعداد مختلفة من البهائم فمنهم من يحمل واحدة و منهم من يحمل أكثر حتى أن منهم من يحمل 6 بهائم يقفون بالعرض بجوار بعضم البعض و رؤوسهم تطل من الجانب الأيسر أو الأيمن للعربة ... و من الناس من يمشى و يسحب خلفة بهيمة أو اثنين و منهم من يسحب خلفة خروف أو ماعز ... و طبعا كل هؤلاء يمشون فى الطريق .. فمن الطبيعى و أنت تركب العربة أن تجد البهائم تمشى بجانبك و أن تجد أمامك عربة تحمل واحد أو اثنين منهم ...و عن يمينك و يسارك و خلفك حتى تحس أنك محاصر ... هذا لو كنت محظوظا فأنت محاصرا و أنت داخل عربة أما لو كنت غير محظوظا و كنت من المشاه فمن الطبيعى جداا أن تجد البهائم تمر من جانبك و يمكن أيضا من فوقك.

لك أن تتخيل أن تلك البهائم ليست كالتى تراها فى التلفاز بيضاء اللون و بها بعض البقع السوداء كالتى تأتى فى إعلان "لبنيتا" و أن أصحاب تلك البهائم لا يحممونهم قبل أن يأتون بهم إلى السوق ليبيعونها ... و هذا طبعا يرجع إلى أن البهائم تباع بالوزن و ليس حسب المظهر.

بدأت أرقب تحركات من حولى من بشر و غير بشر ... و قلت ربما هذا المشهد سببه إقتراب "عيد الأضحى" و لكنى تذكرت أن رمضان لم يأتى بعد و أننا فى شهر رجب ... و بدأت أشعر بالضيق يتسلل إلى نفسى ... و لكن ما هون على أنى تذكرت رسول الله تعالى و كيف كان يحنوا على البهائم و الأبل و كان له معجزات معهم ... ففى يوم من الأيام أخبره أصحابه أن هناك بهيمة هائجة فى حديقة أحدهم ... فذهب الرسول صلى الله عليه و سلم إليها مع مجموعة من الصحابة ... و عندما دخلوا الحديقة ... إذا بالبهيمة الهائجة تتجه إليه بقوة ... فوقف الصحابة أمامه خشية أن تمسه البهيمة الهائجة بسوء ... فطمنهم و وقف ليستقبل البهيمة الهائجة ... فإذا بها تأتى و تضع وجهها على كتف النبى صلى الله عليه و سلم ... و بعد مدة رفعت البهيمة وجهها عن كتف النبى و سأل النبى "إين صاحبها" و قال له "إن البهيمة تشتكى من قلة الزاد و قلة الراحة و كثرة المشقة" ... أو كما قال النبى صلى الله عليه و سلم ... فسبحان الذى علمه لغة الحيوانات و علم الحيوانات من هو الرسول صلى الله عليه و سلم.

و أيضا فى حجة الوداع يقال أن الأبل كانت تأتى بين يدى الرسول ليذبحها ... فسبحان الذى علمهم أن هذا هو نبى الله محمد ... الذى بعث رحمة للعالمين ليس فقط للإنسان و لكن للجان و الحيوانات و الطيور و كل ما خلق الله تعالى
.

Sunday, January 13, 2008

مذكرات مسافر الحلقة الرابعة

"باب موارب"

للأسف ... لقد فاتنى القطار هذا اليوم و كان على أن أذهب للكلية بأى وسيلة ... و تذكرت أن إحدى قريباتى قد قالت لى أن هناك مكان ما يطلقون عليه "موقف العاشر"، و لكنه على أول طريق مصر إسماعيلية، هناك عربات "بيجو و ميكروبص" تذهب إلى الزقازيق حيث تقع كليتى ...أسرعت بالإتصال بها و شرحت لى كيف أصل إلى هناك ... شكرتها بحرارة و بدأت أستعد لمغامرة جديدة مع وسيلة مواصلات جديدة.

بعد تقريبا نصف ساعة أو أقل كنت قد وصلت إلى الموقف و ركبت سيارة "بيجو"، 7 راكب، و تم العدد سريعا و بدأ السائق يحرك المفتاح لنبدأ الرحلة ... و قبل أن تتحرك أول عجلة للسيارة قال السائق للركاب"الفاتحة لله يا جماعة عشان نوصل بالسلامة" ... و على الرغم أنى أستغربت لطلب السائق إلى أنى وجدت شفتى قد أنتهت من ترتيل الفاتحة و بدأت فى دعاء الركوب و دعاء السفر.

كان موقعى بجوار السائق كما قالت لى قريبتى "خدى الكرسى اللى جنب السواق".

مد السائق يده إلى "طبلوه السيارة" و أخرج منه شريط ثم قام بضرب الشريط مرتين أو ثلاثة على حافة "الطبلوه" قبل وضعه فى مسجل السيارة و يبدو أن الشريط و مسجل السيارة قد أكل عليهم الدهر و شرب و لكن بفضل الله تعالى بعد عدة دقائق خرج صوت من الشريط عزب جميل رائع يرتل آيات من الذكر الحكيم من سورة يوسف عليه أفضل الصلاة و التسليم.

و بعد أن أطمئن السائق أن الشريط يعمل بسلام و أن الصوت على الدرجة التى يحبها ... أخرج من جيبه علبة السجائر و أخذ واحدة و بدأ رحلة البحث عن "الولاعة" و إذا بأحد الركاب يمد إيه يديه بمشط من الكبريت لينقذه من حيرته أو ربما أراده أن ينتهى من البحث عن شئ ليشعل السيجارة و يعطى إهتمام أكبر للطريق.

ساد الصمت الرهيب على السيارة إلا من صوت محركها الذى كان له صوت عالى و لكن أهدى قليلا من صوت القطار... و بدأت أنصت لسماع آيات سورة يوسف التى أعشقها و بدأت أرتل مع القارئ بصوت لا أسمعه أنا و أيضا أشم رائحة السجائر الكريهة التى أكرهها كره يفوق الخيال ... أولا لأنى لا أجد سببا منطقيا يجعلنا نصرف ملايين بل بلايين على تلك اللفافة و هناك ثلاثة عشر مليون مواطن مصرى يعيشون فى العشواقيات ... ثانيا لأنى أعرف أضرارها جيدا و أظن أن أكثر من نصف من يشربونها يعرفون ضررها جيدا... و لكن أين عقل الإنسان الذى يميزه عن غيره من المخلوقات التى خلقها الله تعالى ... لكن السبب الأهم الذى جعلنى أكرهها هى أنها تصيبنى بضيق فى التنفس ... و من حقى من أستنشق هواء نقيا كما من حق المدخنين التدخين.

و تعجبت لماذا يشرب الرجال و الأطفال و أحيانا النساء السجائر، أو كما أطلق عليها "البذاذه"، و لقد صدرت فتوى من مجمع الأزهر بتحريمها شرعا و من أماكن مختلفة مستندين فيها إلى حديث الرسول الكريم "لا ضرر و لا ضرار" و إلى إسنادات أخرى و كثيرة فى ديننا العظيم.

قيل لى و أنا طفلة أن هناك ملكان يكتبان كل شئ أقوله و أفعله ملك على اليمين يكتب الحسنات و ملك على اليسار يكتب السيئات و أن الأرض التى نمشى عليها تشهد لنا أو علينا يوم القايمة و أندهشت إلينا هذه الأيام كيف أننا نجمع بين الطاعة والمعصية فى آن واحد فنجعل الملكان يكتبان فى نفس الوقت و نجعل الأرض تحتار يوم الحساب بين أن تشهد لنا و أن تشهد علينا ... نعم فسائق السيارة "البيجو" وضع بيديه و بإرادته شريط قرآن منذ دقائق و بعد أن أطمأن أنه يعمل بدأ يدخن سيجارة ... فهو الآن يسمع القرآن و يدخن سيجارة ... و الآن أيضا ملك اليمين يكتب ما يسمعه بأذنه و ملك الشمال يكتب ما يفعله بيده و الأرض التى نمشى عليها الآن ستشهد له بسماع آيات القرآن و أيضا بتدخين سيجارة و أيضا ما يسببه من أذى للركاب و أولهم أنا.

و جال بخاطرى أنى كثيرا ما رأيت هذه الظاهرة المنتشرة فحين أستقل سيارة أجرة فى القاهرة أو فى الزقازيق أرصدها "القرآن يصحبه دخان السجائر".

فكرت كيف يفكر من يفعل هذا! ... كيف نفعل الحسنات و السيئات فى آن واحد ... ربما يريد من يفعل هذا أن لا يغلق جميع الأبواب مع الله و إنما يريد أن يترك بابا مفتوحا "باب موارب" بينه و بين الله لحين عودته من دنياه ... فلا يجد جميع الأبواب قد سدت و يجد هذا الباب الذى طرقه سابقا "مواربا" ... أو كأنه يقول لله "ربى تقبل منى هذا القليل ... إنى قادم ..إنى قادم".








مذكرات مسافر الحلقة الثالثة

"كسر الملل"

كان اليوم الثانى أسهل كثيرا فى الوصول للكلية و لكن كان يبقى الشئ الأكثر صعوبة ألا و هو الطريق ذاته ففى اليوم الثالث بدأت أحس بثقل مرور الوقت ...عندما طالت مدة سير القطار ماراً بمحافظات و مراكز (لم أكن أعلم بوجودها فى بلدانا) ... شعرت بالملل بتسرب إلى قلبى رويدا رويدا و أستعجبت كيف سأقضى تلك الساعات كل يوم ذهابا و إيابا من الجامعة دون شئ يكسر هذا الملل ...

و بدأت أفكر لماذ يمل الناس من وقت الإنتظار الذى يمر عليهم ثقيل جدا .. الساعة كيوم ؟؟؟ ربما لأن هؤلاء الناس لا يقومون بعمل شئ فى هذا الوقت و لو فعلوا لذهب الملل ... مثلا يقرأوا، يسمعوا أو يشاهدوا شئ مفيد كان أو غير ذلك ... و لو كان معهم أحد يصاحبهم لكان أفضل... لأن المصاحبة هى أعلى درجات الأنس فى نظرى ...

و ذهب بى عقل إلى أصحابى و كيف أنى الوحيدة التى لم تدخل منهم كليه فى نفس المحافظة التى نعيش فيها و لكن قدر الله و ما شاء فعل ... إذن على البحث عن من يكسر هذا الملل .. و طمأنت نفسى أن حتما سأجد من تسافر معى من و إلى القاهرة من رفيقاتى فى الجامعة... ربما يأخذ التعرف و المصاحبة بعض الوقت و لكن فى خلال شهر سيكون ذلك تم إن شاء الله ... و حتى يتم ذلك على أن أكسر هذا الملل بنفسى و لنفسى.

و لأنى أحب التفكير و التفكر .. فى كل شئ و فى أى شئ ...فبدأت أتفكر فى دعاء السفر... لماذا نقول دعاء السفر و ما معناه و ما المقصود منه .. و بدأت أقوله بتمهل و أتمعن فى كلماته البليغه ... و تذكرت موقفا لا أستطيع نسيانه ... كان هناك شاب مسافرا مع أصحابه و يعرف جيدا أنه سيعصى الله فى هذا السفر ... و قبل بدأ الرحيل بدقائق كان يعد الشاب سيارته فقابل بالصدفة أحد أصدقائه من المسجد اللذين كان يقابلهم فى صلاة الجمعة و عندما سأله صديقه "إلى أين العزم" فأخبره بأنه مسافر مع أصحابه ... فإذا بصديقه يوصيه بدعاء السفر و يكتب له إياه ... شكره الشاب بحرارة و أخذ سيارته ليلحق بأصحابه على الطريق و عندما ركب سيارته بدأ يقول دعاء السفر "اللهم إنى أسئلك فى سفرى هذا البر و التقوى و من العمل ما ترضى " و فجأة أوقف الشاب السيارة .. و قال لنفسه "أنت تعلم جيدا أنك ستعصى الله فكيف تقول هذا الدعاء و تطلب البر و التقوى فى سفرك" و قرر الشاب إما أن يقول الدعاء و يكون كاذبا و إما أن يعود من حيث أتى و يكون صادقا ... و إذا به يقود السيارة إلى البيت عائدا و أعتذر هاتفيا لأصحابه عن عدم قدرته الإلحاق بهم...

و عندما أكملت الدعاء أستوقفتنى فيه خمس كلمات ... يا الله كيف لم أنتبه إليهم من قبل ... كيف أننى أقوله مرتين على مدار ثلاثة أيام و منذ أن ولدت و لم أستشعرهم ... " اللهم أنت الصاحب فى السفر" ... وكيف أبحث عن من يصاحبنى فى الطريق و... و .... و الله جل شأنه... هو صاحبى فى السفر... كيف أريد البحث عن من أحكى معه ... و هو صاحبى فى السفر ... كيف أبحث عن من يؤنسنى فى السفر... و هو صاحبى فى السفر ... لا و الله ليس فقط صاحبى فى السفرو لكن أيضا " و الخليفة فى الأهل" ... و لا يقدر أحد أبدأ أن يكون فى أكثر من مكان فى نفس الوقت إلا الله سبحانه و تعالى.

و بدأت أفكر إذا كان معك صديق فى السفر فهل كنت ستنشغل عنه بأى شئ أم أنكما كنتما ستقضيان الوقت فى التحدث عن كل شئ و عن أى شئ ... فقلت لنفسى و لما لا أتحدث مع الله عن كل شئ و عن أى شئ ... أليس رسولنا الكريم هو من علمنا دعاء السفر و هو "لا ينطق عن الهوى" ...نعم إذاً هو صاحبى فى السفر ... و جال بخاطرى قول سيدنا يعقوب عليه السلام "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "يوسف 86.

و تذكرت الحلاق الذى كان يتحدث من أحد رواده و يقول له أنه لا يؤمن بوجود الله فأستعجب الرجل من كلامه و أستفهمه "كيف هذا؟!" فأجابه الحلاق : "أنه إذا كان الله موجود فلماذا يشعر الناس بالألم و لماذا كل هذا العدد من أطفال الشوارع و المشردين و الحروب والكراهية إلخ...!!! " فأجاب الرجل بالصمت ربما لأنه لا يملك مهارة النقاش و الإقناع و عندما أنتهى من حلق رأسه شكر الحلاق و خرج من محل الحلاقة فإذا به يجد شاب ذو شعر ملبد و كأنه لم يمشطه و لم يحلقه منذ عام ... فعاد مسرعا إلى الحلاق و قال له "أنا لا أؤمن أنه يوجد حلاقين فى هذا العالم" فأستعجب الحلاق من كلامه قال "كيف ؟؟ " ... فقال الرجل "لو كان هناك حلاقين فلماذا يوجد شاب مثل هذا ؟ " فأجابه الحلاق "لا بل يوجد حلاقين و لكن هذا الشاب لا يذهب للحلاق و إذا ذهب إليه لحلق رأسه" ... فقال له الرجل "و كذلك الناس لا يذهبون إلى الله و لو ذهبوا لما كان هناك ألم و أطفال مشردين و حروب و كراهية .."

نعم و كما قالوا "الشكوى لغير الله مذلة " فلماذا لا نشكو إلى الله و نحكى معه ... سبحانك فما أعظمك من رب و ما أجملك من خالق و ما أحلمك من قادرو ما أجملك من صاحب.