Sunday, January 13, 2008

مذكرات مسافر الحلقة الثالثة

"كسر الملل"

كان اليوم الثانى أسهل كثيرا فى الوصول للكلية و لكن كان يبقى الشئ الأكثر صعوبة ألا و هو الطريق ذاته ففى اليوم الثالث بدأت أحس بثقل مرور الوقت ...عندما طالت مدة سير القطار ماراً بمحافظات و مراكز (لم أكن أعلم بوجودها فى بلدانا) ... شعرت بالملل بتسرب إلى قلبى رويدا رويدا و أستعجبت كيف سأقضى تلك الساعات كل يوم ذهابا و إيابا من الجامعة دون شئ يكسر هذا الملل ...

و بدأت أفكر لماذ يمل الناس من وقت الإنتظار الذى يمر عليهم ثقيل جدا .. الساعة كيوم ؟؟؟ ربما لأن هؤلاء الناس لا يقومون بعمل شئ فى هذا الوقت و لو فعلوا لذهب الملل ... مثلا يقرأوا، يسمعوا أو يشاهدوا شئ مفيد كان أو غير ذلك ... و لو كان معهم أحد يصاحبهم لكان أفضل... لأن المصاحبة هى أعلى درجات الأنس فى نظرى ...

و ذهب بى عقل إلى أصحابى و كيف أنى الوحيدة التى لم تدخل منهم كليه فى نفس المحافظة التى نعيش فيها و لكن قدر الله و ما شاء فعل ... إذن على البحث عن من يكسر هذا الملل .. و طمأنت نفسى أن حتما سأجد من تسافر معى من و إلى القاهرة من رفيقاتى فى الجامعة... ربما يأخذ التعرف و المصاحبة بعض الوقت و لكن فى خلال شهر سيكون ذلك تم إن شاء الله ... و حتى يتم ذلك على أن أكسر هذا الملل بنفسى و لنفسى.

و لأنى أحب التفكير و التفكر .. فى كل شئ و فى أى شئ ...فبدأت أتفكر فى دعاء السفر... لماذا نقول دعاء السفر و ما معناه و ما المقصود منه .. و بدأت أقوله بتمهل و أتمعن فى كلماته البليغه ... و تذكرت موقفا لا أستطيع نسيانه ... كان هناك شاب مسافرا مع أصحابه و يعرف جيدا أنه سيعصى الله فى هذا السفر ... و قبل بدأ الرحيل بدقائق كان يعد الشاب سيارته فقابل بالصدفة أحد أصدقائه من المسجد اللذين كان يقابلهم فى صلاة الجمعة و عندما سأله صديقه "إلى أين العزم" فأخبره بأنه مسافر مع أصحابه ... فإذا بصديقه يوصيه بدعاء السفر و يكتب له إياه ... شكره الشاب بحرارة و أخذ سيارته ليلحق بأصحابه على الطريق و عندما ركب سيارته بدأ يقول دعاء السفر "اللهم إنى أسئلك فى سفرى هذا البر و التقوى و من العمل ما ترضى " و فجأة أوقف الشاب السيارة .. و قال لنفسه "أنت تعلم جيدا أنك ستعصى الله فكيف تقول هذا الدعاء و تطلب البر و التقوى فى سفرك" و قرر الشاب إما أن يقول الدعاء و يكون كاذبا و إما أن يعود من حيث أتى و يكون صادقا ... و إذا به يقود السيارة إلى البيت عائدا و أعتذر هاتفيا لأصحابه عن عدم قدرته الإلحاق بهم...

و عندما أكملت الدعاء أستوقفتنى فيه خمس كلمات ... يا الله كيف لم أنتبه إليهم من قبل ... كيف أننى أقوله مرتين على مدار ثلاثة أيام و منذ أن ولدت و لم أستشعرهم ... " اللهم أنت الصاحب فى السفر" ... وكيف أبحث عن من يصاحبنى فى الطريق و... و .... و الله جل شأنه... هو صاحبى فى السفر... كيف أريد البحث عن من أحكى معه ... و هو صاحبى فى السفر ... كيف أبحث عن من يؤنسنى فى السفر... و هو صاحبى فى السفر ... لا و الله ليس فقط صاحبى فى السفرو لكن أيضا " و الخليفة فى الأهل" ... و لا يقدر أحد أبدأ أن يكون فى أكثر من مكان فى نفس الوقت إلا الله سبحانه و تعالى.

و بدأت أفكر إذا كان معك صديق فى السفر فهل كنت ستنشغل عنه بأى شئ أم أنكما كنتما ستقضيان الوقت فى التحدث عن كل شئ و عن أى شئ ... فقلت لنفسى و لما لا أتحدث مع الله عن كل شئ و عن أى شئ ... أليس رسولنا الكريم هو من علمنا دعاء السفر و هو "لا ينطق عن الهوى" ...نعم إذاً هو صاحبى فى السفر ... و جال بخاطرى قول سيدنا يعقوب عليه السلام "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "يوسف 86.

و تذكرت الحلاق الذى كان يتحدث من أحد رواده و يقول له أنه لا يؤمن بوجود الله فأستعجب الرجل من كلامه و أستفهمه "كيف هذا؟!" فأجابه الحلاق : "أنه إذا كان الله موجود فلماذا يشعر الناس بالألم و لماذا كل هذا العدد من أطفال الشوارع و المشردين و الحروب والكراهية إلخ...!!! " فأجاب الرجل بالصمت ربما لأنه لا يملك مهارة النقاش و الإقناع و عندما أنتهى من حلق رأسه شكر الحلاق و خرج من محل الحلاقة فإذا به يجد شاب ذو شعر ملبد و كأنه لم يمشطه و لم يحلقه منذ عام ... فعاد مسرعا إلى الحلاق و قال له "أنا لا أؤمن أنه يوجد حلاقين فى هذا العالم" فأستعجب الحلاق من كلامه قال "كيف ؟؟ " ... فقال الرجل "لو كان هناك حلاقين فلماذا يوجد شاب مثل هذا ؟ " فأجابه الحلاق "لا بل يوجد حلاقين و لكن هذا الشاب لا يذهب للحلاق و إذا ذهب إليه لحلق رأسه" ... فقال له الرجل "و كذلك الناس لا يذهبون إلى الله و لو ذهبوا لما كان هناك ألم و أطفال مشردين و حروب و كراهية .."

نعم و كما قالوا "الشكوى لغير الله مذلة " فلماذا لا نشكو إلى الله و نحكى معه ... سبحانك فما أعظمك من رب و ما أجملك من خالق و ما أحلمك من قادرو ما أجملك من صاحب.

No comments: