Monday, February 23, 2009

يوم الطين

أحب ملك من الملوك فتاة فقيرة فتزوجها و جعلها أميرة و أغدق عليها و على أهلها بما اشتهت و لم تشتهى حتى أنها فى يوم من الأيام أشتاقت أن تمشى حافية القدمين على الطين كما كانت تفعل فى طفولتها البائسة فأمر الملك الخدم ففرشوا حديقة القصر بالطين المعجون بالمسك و الريحان والجواهر و الذهب و نزلت الملكة حافية القدمين تلهو هى و جواريها فى الطين و تلتقطن الجواهر و الذهب. و بعد حين نشب خلاف بسيط بين الملك و الملكة فقالت له : "لم أرى منك خيراً قط" فتعجب قائلاً: "حتى و لا يوم الطين".
فى حياة كل منا يوم كيوم الطين و لكن قليل منا من يتذكره، فنحن لا نتذكر الأشياء الجميلة مهما كان حجمها عند الخلاف و نجحف الناس حقها و نقول كما قالت الملكة "لم أرى منك خيراً قط".
عندما نجحف الناس حقها فهذا لأننا لا نجيد التحكم فى ذواتنا. و أعنى بالذات الأفكار، الشعور و السلوك، فعندما نفقد السيطرة على أحد هذه العناصر الثلاثة للذات فإننا نفقد التحكم فيها و على حسب قدرة الإنسان و سطوته يكون الإجحاف.
فمنا من يكون إجحافه كلام جارح يمطره على من أختلف معه و يتغنى بهذا الكلام فى كل مجلس و يكون الإجحاف أكثر قوة لو كان من نختلف معهم أصدقائنا فنحن نعرف عنهم الكثير، نعرف ماذا يؤلمهم أكثر و منا من يكون إجحافه أفعال فنؤذى من نتختلف معهم مثل نقل أو فصل من العمل أو أذى جسدى كالضرب. صدق من قال "احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فربما انقلب الصديق وكان أدرى بالمضرة" و "أحبب حبيبك هونا عسي أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا عسي أن يكون حبيبك يوما ما".
المشكلة تكمن فى أنفسنا فنحن من لا نستطيع أن نتحكم فى ذواتنا. كثيرا منا من يتعلم قيادة السيارة و التحكم فيها و لكن قليل منا من يتعلم قيادة ذاته و التحكم فيها على الرغم من أن الذات أولى بتعلم خباياها و كيفية قيادتها و التحكم فيها من أى شئ أخرعلى وجه الأرض. فعليك أولا أن تعلم ذاتك ثم تتعلم كيف تتحكم فى أفكارك، شعورك و سلوكك. تذكر دائما و أنت تتعامل مع الناس أنهم بشر يمكن أن تختلف معهم و يختلفون معك و لكن لا تجحفهم حقهم حتى إذا أجحفوك حقك لأن كل منا محاسب على أفعاله و ليس أفعال الأخر، و عش بقول الإمام على بن أبى طالب "عاشروا الناس معاشرة إن غبتم اشتاقوا إليكم و إن متم بكوا عليكم " و تذكر دائما يوم الطين الذى أهدوك إياه.

منى الشوربجى