Tuesday, November 20, 2007

مذكرات مسافر الحلقة الثانية


"إقرأ وجه أخيك"

بدأ صوت القطار (توووووووت) يشق عنان الهدوء ... و بدأ القطار يتأرجح معلنا بدايه الرحلة ...ثم بدأ يسرع الخطى نحو هدفه
و إذا بى أجد نفسى وحيدة لا أعرف أحد تفحصت وجوه المسافرين فى عربة القطار و بدأت أحاول ممارسة ما تعلمت من أستاذى و معلمى الأستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله ...- ولا أعتقد أن هناك أحد لا يعرف هذا الرجل العظيم الذى وهب حياته لتخفيف هموم الناس من خلال بابه المفتوح دائما "بريد الجمعة" فى جريدة الأهرام.- كان يجيد قراءة وجوه الناس و يحلل تعابير وجوههم بدقة متناهيه.
حاولت أن أطبق ما تعلمت منه ...
فهذا رجل بائع متجول يتحسس رزقة من خلال عرض بضاعة لا يحتاجها أحد من الركاب لكنه يحاول جاهدا أن يقنهم بها ... أرى فى عينيه هم إخوانه و أخواته الخمس فهم يتامى و ليس لهم دخل سوى بعض الجنيهات التى يأتى بها أخوهم الأكبر (الرجل البائع) أراه قد تخطى الثلاثين و لم يتزوج بعد و لا يفكر فى الزواج و لكن همه الكبيرهو أن يستر أخواته البنات و يعلم إخوانه الصبيان حتى يصل بهم إلى شط الأمان و الإستقرار و لا يتجرع أحد المر الذى شرب هو منه حتى أمتلئت به بطنه و فاض على وجهه...
و تلك بنت شابة تحمل كشكول محاضرات يبدو أنها مسافرة إلى كليتها فى أول أيام الدارسة ... رأيت فى عينيها حزن عميق و فى قلبها ألم ... و سخط على الأوضاع و الظروف التى جعلتها تسافر كى تدرس على العلم أنها لا تحب كليتها و لكنها أرغمت عليها لأن أباها كان يريد أن يرى نفسه فيها فأدخلها الكلية التى لم ينجح فى دخولها منذ عشرين عاما أو يزيد.
و هذا شاب حاول التغلب على وحدة السفر بالقراءة فى كتاب عن تاريخ مصر القديمة و لكنه من حين لآخر يضع الكتاب جانبا و يلقى نظرة على الطريق من النافذة القريبة منه ربما يحاول المقارنة بين ما يقرأ من أحوال المصريين فى العصر السابق فى الكتاب و بين ما يراه رأى العين أمامه على ضفتى قطبان القطار أرى لسان حاله يقول لم يختلف الحال كثيرا ربما ساء لبعض الناس البسطاء الذين لا يجدون الحياة الكريمة مع ثبات الدخل أو نقصانه و إرتفاع الأسعار كل عام بل كل يوم وزيادة متطلبات الحياة له و لأسرته الصغيرة
الجميل فى قراءة وجوه الناس هى أنك تحاول أن تعيش داخل هؤلاء العظماء - و كما قال الفريد دي موسيه " ­لا شيء يجعل الإنسان عظيماً، غير ألم عظيم" - دون أن ينطقوا بحرف واحد و لكن هناك مشكلتين الأولى هى أنك لن تقدر أن تتحكم فى مركبة عقلك فقد تبحر حتى ما لا نهاية و المشكلة الثانية إنك لا تعرف مدى حقيقة تلك الحكاية المستوحاه من تعبيرات وجوه الناس.
و بعد قراءة وجوه الناس أيقنت أن هناك شئ مشترك ألا و هو هم كبير هم أكبر من الجبال فى وجوه الناس و خوف من مستقبل لا يعلم غيبه إلا الله و أيقنت صدق الكاهن الذى سألوه ماذا تعلمت من أعترافات الناس بين يديك فأجاب إجابته الشهير "تعلمت أن الناس أتعس كثيرا مما نظن".





No comments: